روائع مختارة | روضة الدعاة | زاد الدعاة | المنهجية مع الخطأ والصواب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > روضة الدعاة > زاد الدعاة > المنهجية مع الخطأ والصواب


  المنهجية مع الخطأ والصواب
     عدد مرات المشاهدة: 2934        عدد مرات الإرسال: 0

إن بحثا بشأن الخطأ وكيفية وقوعه ومن أين يتولد قد حير الباحثين النظريين والتجريبيين، حيث إنهم رأوا أن الإنسان يتميز عن باقي المخلوقات بأنه كائن يهدف إلى تحصيل المعرفة من أجل إشباع حاجاته المادية والروحية، وهو للوصول إلى المعرفة يستخدم عقله مفكرًا عبر مراحل استدلالية متسلسلة يستنبطها فكره حتى يبلغ هدفه..

لذلك اخترع المتقدمون قواعد وضوابط عقلية أسموها بالمنطق حتى تصبح ثوابت عامة في المعرفة الإنسانية. ذلك أن الإنسان قد لا يصل غالبًا إلى المعرفة الحقيقية التي تكشف عن الواقع الفعلي، أو أنه قد يضع لنفسه مناهج تطابق هواه ورغباته ومصالحه لذلك يخطئ كثيرًا في تحصيل المعرفة أو استخدامها بالصورة الصحيحة...

ومن ثم كانت قوانين البشر المنطلقة من ذواتهم دائما ما تكون قاصرة عن قيادة البشرية قيادة حكيمة.. (اتفق القانونيون في العالم بأسره على ما أسموه ثغرات القانون وأنه الطريقة المثلى لنقد الأحكام).

وإذا كان الإنسان كائن مستدل عقلاني فإن نمط حياته العام يتشكل حسب نوعية الحركة المعرفية التي يتخذها وحسب طريقة تفهمه لما حوله.

وقد تتخذ أمة كاملة منهجًا استدلاليًّا ومعرفيًّا خاطئًا يقودها إلى اتجاه معاكس ولا يوصلها إلى أهدافها بل لا نبالغ إذا قلنا: إن حضارات راسخة قد حادت بمنهجها كله إلى تخبط وعشوائية منهجية فلم تنتج للبشرية غير ميراث من الحجارة ومنافع تقتصر على ذوي الهيئة فيها والجاه والسلطان.. (لم ينتفع وارثوا الحضارة الفرعونية منها بشيء سوى التماثيل الحجارية والآثار الصخرية وطريقة تحنيط الموتى الأغنياء، وصار ذلك مجلبا للسياح من شتى بقاع الأرض للمشاهدة)، وانظر لقوله تعالى: {ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخب بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد... } الآيات.. فهؤلاء رغم ما بنوه وشيدوه من صروح عتيدة إلا أنهم لم ينفعوا البشرية بشيء، بل أفسدوا وطغوا.

ومن ثم فإن الحضارات دائما تفتقر- لتصبح مفيدة للبشرية- أن تتبنى منهجا لا ينتمي لتلك المناهج النفعية الإنسانية أو تلك التي تنبني على أهواء أولئك البشر الناقصين.. ولاشك أننا نقصد هنا بذلك المنهج أنه المنهج الرباني الخالد الذي لا يأتيه النقص من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد..

إن هناك منهجا بناه الذي يعلم البشرية حق العلم ويعرفها حق المعرفة ويحيط بنقائصها وقدراتها وميزاتها {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} [الملك: 14].

وهو كذلك المنهج التطبيقي السليم الصالح لمصلحة الناس أجمعين ضعيفهم وقويهم غنيهم وفقيرهم صغيرهم وكبيرهم ذكرهم وأنثاهم يأمر بالعدل والقسط والرحمة إذ إنه سبحانه غني عن العالمين {يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا} [النساء: 135].

إن الكثير من الأشياء في هذه الحياة تبدو لنا في ظاهرها سليمة وخالية من العيوب لذلك قد نعمل وفق تلك الرؤية النفعية الإنسانية البعيدة عن الله وعن منهجه والتي نشكل حياتنا وما يتبعها على ضوئها، ولكن قد تكون هذه الأفكار ليست إلا أخطاء تعودنا عليها عبر الزمن حتى يسيطر الركود والجمود والتخلف علينا، ذلك أن الاستمرار على الخطأ يؤدي إلى خلق تراكمات متتالية لمجموعات من الأخطاء المعقدة، وهذه هي إشكالية في المنهجية التي يفكر بها الفرد أو الجماعة أو المجتمع أو الأمة.. إن العبرة التي نستخلصها هي إن المنهج الفكري التطبيقي هو الذي يحدد مسيرة فرد أو أمة، وحياة الأمة وحيويتها مرتبطة بنوعية التفكير الذي تسير وفقه ومصدره ومدى ملاءمته لصلاح العالم، فكم من أمة اندثرت وماتت عندما غرقت في المستنقعات الراكدة لأفكارها النفعية البشرية الجامدة، يقول الإمام ابن تيمية رحمة الله: (والدنيا بدون نور الرسالة سوداء مظلمة).

وعلى المستوى الشخصي للخطأ فليس هناك من يدعي العصمة من الأخطاء غير المعاندين المتكبرين أو المتجبرين الطغاة الذين يرون أعمالهم كلها صوابا وخطواتهم كلها إنجازا وتدبيراتهم كلها تطورا.. غير عابئين بأثر أخطائهم على أنفسهم أو الآخرين، وذلك هو عين الظلم للنفس وللناس، وهو كذلك عين الجهل بالحق والصواب، ولا يجتمع الظلم والجهل في مخلوق إلا كان شيطانا سواء كان بشريا أو جنيا..!!

ولذلك فإن هناك محددات أساسية لتقييم أخطاء الإنسان، يقيس على أساسها سلوكه وخطواته وتدابيره الخاصة..

فالصواب أن يكون لكل عمل هدف، كما ينبغي أن يكون ذلك الهدف هو جلب النفع للإنسان نفسه، أو دفع الضر عنه، ولكن لابد هنا من محدد للأهداف الشخصية ينبغي على الإنسان مراعاته ذلك هو ألا يعود السلوك ذي الهدف النفعي للمرء بضرر على غيره من أمة الإسلام، كما لا يعود دفع الضرر عن المرء بضرر أكبر منه على الفرد ذاته أو مجتمعه.. والشريعة قد حددت لذلك قواعد وضوابط ليس هذا مكان الإسهاب فيها.

كذلك فالصواب الذي بينته الشريعة العظيمة أن تكون عباداتنا كلها لله وحده لا شريك له، فهو لا يقبل شريكا في العمل، ومن أشرك في العبادة مع الله غيره فقدمها له تركه سبحانه وشركه ففي الحديث القدسي في الصحيح: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه»، كما علمتنا الشريعة أن عاداتنا وحياتنا وسلوكنا ينبغي أيضا أن يرتجى به وجه الله سبحانه، فهو عندئذ سبحانه برحمته يحاسبنا عليها كأعمال صالحات بثواب عميم وأجر مضاعف قال سبحانه: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162].

ثم هناك ضرورة الانطلاق في السلوك من قاعدة الشفافية، وأعنى بذلك أن المنهج البرجماتي النفعي الذي يقوم على المصلحة المجردة للأفراد والجماعات بغض النظر عن مصلحة الآخرين ونفعهم قد أنكره الإسلام، ولكن الإسلام قد علّم أن ينطلق المرء من منطلق الشفافية السلوكية البيضاء الواضحة، فأنكر سوء الظن، وأنكر الغيبة والنميمة، وأنكر هتك الأسرار، وأنكر الحيل والخداع والمكر، كما أنكر غض الطرف عن آلام الغير وأحزانه ومعاناته.. فالسلوك الشخصي في الفكر الإسلامي قد بلغ من العظمة والرقي أن يصير إنجاز الآخر إنجازا للأول وأن تكون سعادة الجار سعادة لجاره وأن يتألم مسلم بالعراق يشعر بأنينه مسلم بالمغرب.. فانظر واستخرج الفوائد التي لا تسعها الأوراق..

كذلك فهناك أهمية الانطلاق من مبدأ الاستشارة والاستخارة في القرارات الهامة، وأعني بذلك ضرورة إعمال رأي الخبراء وذوي التجربة في مدى صحة خطواتنا ومواقفنا ومناهجنا الحياتية، وليس العلماء الشرعيون فقط هم الخبراء الذين يستشارون، ولكن قد يضاف إليهم ذوي الرأي والعلم والخبرة في كل مجال بحسبه، كما أن الاستخارة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمها الناس كما يعلمهم السورة من القرآن لها أثر بالغ في توفيق المرء وهدايته إلى صواب الخطوات والأعمال كما فيها من معاني التوكل والاعتماد على الله سبحانه والرضا بقضائه الشيء الكثير والمؤثر على النفس الإنسانية قبل وبعد إتمام العمل.

الكاتب: خالد رُوشه.

المصدر: موقع المسلم.